يشير تقرير “Apexe Nations Ranking 2025” الصادر عن منصة Startup Genome إلى أن الذكاء الاصطناعي بات يُمثّل “المرحلة الثالثة من موجات الابتكار”، بعد مرحلتي الثورة الصناعية والتحول الرقمي. ووفقًا للتقرير، فإن هذه المرحلة الجديدة ستُعيد تشكيل الاقتصاد العالمي بشكل جذري، حيث يُتوقّع أن تستحوذ الولايات المتحدة والصين وحدهما على أكثر من 90% من القيمة الاقتصادية وفرص التوظيف المرتبطة بهذا القطاع، ما يُهدد بتهميش بقية الدول ما لم تُسرع في اتخاذ خطوات استراتيجية واضحة.

ورغم الطموحات التي يعبّر عنها المغرب في المجال الرقمي، إلا أنه لم يُصنّف ضمن الدول الرائدة أو “البيئات عالية الأداء” في الابتكار التكنولوجي أو الذكاء الاصطناعي، بحسب ما ورد في التصنيف ذاته. كما لم يظهر المغرب في المراتب العشر الأولى لأي من المؤشرات الأساسية في التقرير، سواء تعلّق الأمر برأس المال الاستثماري، أو عدد الشركات الناشئة، أو جاذبية البيئة للمواهب التقنية.
هذا الغياب لا يعكس بالضرورة تقاعسًا على المستوى الوطني، بل يُظهر محدودية الأثر الدولي للجهود المبذولة مقارنة بدول أخرى في المنطقة مثل الإمارات والسعودية، واللتين أحرزتا مراتب متقدمة في مؤشرات التقرير. فالمغرب أطلق عدة مبادرات رقمية طموحة، أبرزها “Maroc Digital 2030″، إلى جانب دعم ريادة الأعمال من خلال برامج مثل “Innov Invest”. غير أن هذه المبادرات تظل عامة وغير موجهة حصريًا نحو تطوير الذكاء الاصطناعي كقطاع استراتيجي مستقل.
الأهم من ذلك هو غياب استراتيجية وطنية واضحة ومعلنة تعنى بشكل مباشر بالذكاء الاصطناعي، سواء من حيث البنية التحتية، أو تكوين الكفاءات، أو ضبط المعايير الأخلاقية والتقنية المرتبطة باستخدام هذه التكنولوجيا. كما لا توجد أدوات تمويل أو حاضنات متخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي، ما يجعل أغلب الجهود تتوزع على مبادرات ذات طابع شمولي وغير قطاعي.
في ضوء هذه المعطيات، يطرح التقرير إشكالًا جوهريًا حول مدى قدرة المغرب على الحفاظ على سيادته الرقمية في المستقبل القريب. فاستمرار غياب سياسات متخصصة قد يُحوّل البلاد إلى مجرد مستهلك لتقنيات أجنبية لا يتحكم في هندستها، ولا في مسارات بياناتها. والحال أن السيادة الرقمية في العصر الجديد لا تُقاس بمدى استعمال التقنيات الحديثة، بل بقدرة الدولة على تطوير خوارزمياتها المحلية، وتأمين سلاسل بياناتها، والتحكم في بنيتها المعلوماتية، ووضع أطر تنظيمية تُراعي المصلحة الوطنية في مواجهة القوى التكنولوجية الكبرى.