في سياق دولي متزايد الحزم تجاه ظاهرة القرصنة الرقمية، تفجرت مؤخرًا قضية مثيرة للجدل تتعلق بشركة المراهنات الروسية الشهيرة 1XBET، والتي ظهرت إعلاناتها على أكثر من 1200 موقع إلكتروني مصنف ضمن المنصات المقرصنة خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر، وفقًا لتقرير صادر عن شركة White Bullet المتخصصة في تتبع وحماية العلامات التجارية. ما يجعل هذه القضية أكثر حساسية هو أن هذه الشركة كانت ترعى أندية كروية كبرى، وهي أندية غالبا ما تبدي مواقف علنية ضد القرصنة وانتهاك الحقوق الرقمية، مما يضعها اليوم في موقف حرج لا يمكن تجاهله.
شركة 1XBET، التي انطلقت من روسيا وانتشرت بسرعة في أسواق المراهنات العالمية، أصبحت تُعرف بعلامتها التي تظهر في الملاعب الأوروبية وعلى قمصان لاعبين في دوريات مختلفة، منها فرق في إفريقيا وآسيا. لكن هذه الشهرة جاءت بثمن ثقيل، إذ لم يمض وقت طويل قبل أن تفتح الجهات التنظيمية في بريطانيا تحقيقًا بشأن علاقاتها التسويقية، انتهى بسحب ترخيصها داخل المملكة المتحدة في صيف 2019، بعد تأكد لجنة بريطانية من ظهور إعلاناتها بشكل مستمر على مواقع غير مرخصة، بعضها موجه للأطفال والمراهقين، ما يثير شبهة انتهاك القوانين التنظيمية التي تحكم الإعلان.
تقرير White Bullet أشار إلى أن نسبة مهمة من المواقع التي ظهرت فيها هذه الإعلانات – حوالي 25% – مصنفة ضمن القائمة السوداء لوحدة مكافحة الجريمة الإلكترونية التابعة للشرطة البريطانية (PIPCU)، وتُعرف باسم IWL. هذه المواقع لا تقتصر على استضافة محتوى مقرصن فحسب، بل تدمج إعلانات 1XBET داخل الفيديوهات نفسها، لا سيما في نسخ الأفلام المسماة “Cam Releases”، وهي إصدارات مصورة داخل قاعات السينما بطريقة غير قانونية. المفارقة أن مستخدم هذه المواقع يجد نفسه متلقّيًا لإعلانات القمار دون أي خيار أو رغبة، ما يثير تساؤلات حول أخلاقيات الترويج التجاري في هذا الفضاء المظلم من الإنترنت.
الآلية التي تسمح بظهور هذه الإعلانات، تعتمد على شبكات تسويق بالعمولة (أفيلييت) تعمل بمعزل عن رقابة مركزية من الشركة الأم، إلى جانب استخدام شبكات إعلانات غير خاضعة لمعايير صارمة، ما يسهل تسلل العلامة التجارية إلى بيئات إلكترونية محفوفة بالمخاطر. هذا التسلل لا يتوقف عند مجرد إعلان عابر، بل يتعداه في بعض الحالات إلى شكل أكثر خطورة يُعرف بـ”الإعلانات الخبيثة” أو Malvertising، وهي تقنية يستخدمها القراصنة لنشر برمجيات ضارة من خلال واجهات تبدو عادية.
الإعلانات الخبيثة، كما يُبيّنها الخبراء، تشكل واحدة من أكثر التهديدات تطورًا في مجال الأمن السيبراني، إذ يكفي أحيانًا عرض الإعلان على صفحة ما حتى يتم تفعيل كود خبيث يستغل ثغرات في متصفح المستخدم أو نظام تشغيله، دون الحاجة لأي تفاعل مباشر. هذا السيناريو يبدو مألوفًا لزوار مواقع البث المقرصن، حيث تُعرض نافذة دعائية باسم 1XBET، وبمجرد محاولة الإغلاق أو التفاعل معها، يتم توجيه المستخدم إلى صفحة مشبوهة تطلب تحميل ملف تنفيذي (EXE) أو تكشف عن واجهة مزيفة لموقع بنكي أو متجر إلكتروني.
الخبير في الأمن الرقمي حسن خرجوج أوضح في تصريح لموقع “مصادر” أن التفاعل مع هذا النوع من الإعلانات قد يؤدي في بعض الحالات إلى اختراق مباشر لجهاز المستخدم، أو زرع برامج تجسس تعمل في الخلفية دون علمه. وأضاف أن بعض هذه الإعلانات تتضمن تعليمات برمجية مكتوبة بلغة JavaScript تُنفذ بمجرد تحميل الصفحة، مما يجعل مجرد زيارة الموقع المقرصن أمرًا محفوفًا بالمخاطر الأمنية.
وفي خضم هذه التعقيدات، تبرز إشكالية أخلاقية واقتصادية تتجاوز الحدود القانونية البحتة، إذ أن استمرار مثل هذه الشركات في تمويل منصات مقرصنة – حتى وإن تم ذلك عبر وكلاء أو شبكات غير رسمية – يساهم في تغذية اقتصاد رقمي غير منظم، يُشتبه في استخدامه لغسيل الأموال وتمويل شبكات مظلمة تنشط في تهريب البيانات أو تسهيل العمليات الإجرامية العابرة للحدود. هذا التمويل يؤثر سلبًا على الصناعات الإبداعية، من سينما وموسيقى وألعاب إلكترونية، حيث تُسرق الحقوق وتُقوض نماذج الربح المشروعة، مما يضعف من قدرة هذه الصناعات على التطور في بيئة عادلة وآمنة.
مات زارب-كوزن، الناطق باسم حملة Fairer Gambling، وصف ما حدث بأنه “فضيحة مكتملة الأركان”، مؤكدًا أن الأندية الإنجليزية المعنية لم تقم بأبسط مستويات التدقيق أو الفحص قبل توقيع عقود الرعاية مع شركة تنشط في مجال محفوف بالمخاطر القانونية والأخلاقية.
هذه القضية، بكل تفاصيلها، تطرح تحديًا كبيرًا لصنّاع القرار في المجالين الرياضي والرقمي، وتفرض إعادة تقييم عميقة لمنظومات الرقابة على الإعلانات، خصوصًا في بيئة الإنترنت المفتوحة. إذ بات من الضروري تطوير آليات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل وتتبّع مسارات العلامات التجارية في الفضاء الرقمي، وضمان عدم استغلالها أو توريطها في بيئات إلكترونية مشبوهة. كما أصبح من المهم فرض شروط شفافية على الشركات بخصوص شبكاتها التسويقية، وإخضاع شبكات الإعلانات لرقابة أشد، تصل إلى حد الحظر التكنولوجي في حال ثبت تورطها المتكرر في دعم محتوى غير قانوني.
قد تحاول 1XBET التنصل من المسؤولية القانونية المباشرة، مدعية أنها لا تتحكم في ما ينشره المسوقون التابعون لها، لكن ذلك لا يعفيها من المسؤولية الأخلاقية، خاصة وأن العلامة التجارية التي تستثمر الملايين من أجل ترسيخها في أذهان الجماهير، أصبحت اليوم تُربط بالقرصنة والمحتوى المضلل والبرمجيات الخبيثة. أما الأندية الرياضية التي ارتبط اسمها بهذه الشركة، فمطالبة اليوم بأكثر من مجرد فسخ العقود؛ إنها مطالبة بتقديم نموذج يُحتذى به في النزاهة الرقمية، وتطهير سلاسلها الدعائية من أي ارتباطات تشوبها شبهة التمويل غير المشروع أو دعم الاقتصاد الرقمي الأسود.