ويكيبيديا: حين تتحول سلطة الإداريين إلى رقابة فكرية تمارس باسم الحياد والمعرفة

0

في الظاهر، تبدو ويكيبيديا واحة للمعرفة المفتوحة، حيث تتكاثف العقول من مختلف أنحاء العالم لبناء أكبر موسوعة في تاريخ البشرية. لكن خلف هذا النموذج الأفلاطوني، يختبئ واقع أقل بريقًا: واقع تتحكم فيه شردمة من الإداريين والمرضى النفسيين، تملك صلاحيات واسعة، وتدير المحتوى بقواعد مرنة لصالحهم، ومرعبة وغير مفهومة في معاداة الأخريين.

لعل الفكرة الجوهرية التي قامت عليها ويكيبيديا كانت بسيطة: تمكين الناس من كتابة التاريخ والمعرفة معًا. غير أن الممارسة اليومية تُظهر عكس ذلك. فبمجرد أن يحاول أحدهم تعديل معلومة، حتى وإن كانت موثقة من مصادر رسمية، يصطدم بجدار بيروقراطي تحريري، سرعان ما يتحول إلى تعنت سلطوي مغلف بكلمات رقيقة عن “الحياد” و”السياسات التحريرية” حتى أن الإدارة الأم لم تعد موجودة لسبب أو لاخر..

على منصة Reddit، يشتكي موظفون سابقون من وجود “تقليد تحكمي” داخل ويكيبيديا، حيث يعاني المساهمون من تصرفات استبدادية من بعض الإداريين. أحدهم وصف: “Wikipedia administrators have turned Wikipedia into an online totalitarian regime” رابط التدوينة : https://www.reddit.com/r/wikipedia/comments/zcudop/why_are_so_many_wikipedia_admins_bullies/

في منصات مثل Reddit وتويتر، بدأت تتكاثر شهادات المساهمين الذين تم طردهم، أو قمع آرائهم لمجرد أنهم خالفوا سردية “الإداريين الكبار”. أحدهم كتب بحرقة: “لقد راجعت ثلاثين مصدرًا لتوثيق تعديل بسيط، لكن مساهمتي ألغيت بكبسة زر، لا لأن المحتوى خاطئ، بل لأنه لم يُعجب مشرفًا دائمًا ما يردد عبارته المفضلة: هذا ليس مناسبًا لسياق المقال”.

تناقش Reddit قضايا مثل «لماذا كثير من الإداريين يظهرون كمتنمرين؟» ويقول أحدهم: “Wikipedia admin shouldn’t act like bullies with contributors…” حيث يعاني بعض المستخدمين من طابع عدائي أو ازدراء مبطن، وليس بسبب طريقتهم في الكتابة بل لأسباب سياسية أو عرقية أو حتى معاداتهم لدول الجنوب جنوب.

المأساة الحقيقية لا تكمن فقط في الرفض، بل في الشعور العام بأن “صوتك لا يساوي شيئًا” إن لم تكن جزءًا من الحلقة الداخلية. الإداريون القدامى، أولئك الذين يجوبون الصفحات كسحرة رقميين، يُقرّرون ما الذي يستحق البقاء، وما يجب حذفه، وغالبًا دون شرح مقنع حتى أنهم أصبحوا يسربون الرسائل الموجهة لإدراة ويكيبيديا دون تحرك فعلي إتجاههم..

في واقعة أثارت جدلاً واسعاً، روت محررة شابة على منصة تويتر كيف تم تجميد حسابها بعد أن أدرجت شهادة أكاديمية موثوقة ضمن مقالة علمية على ويكيبيديا. المفارقة؟ أنها لم تُعتبر “خبيرة معترف بها”، رغم أن الشهادة صادرة عن جامعة دولية محترمة. تجربتها كشفت جانباً مظلماً من آليات التحرير على المنصة: لم تعد القيمة في المعلومة نفسها، بل في الشخص الذي يملك سلطة تمريرها أو رفضها.

وهذا ما عمّق فجوة الثقة بين ويكيبيديا والمؤسسات الأكاديمية، التي باتت تتحاشى اعتمادها كمصدر علمي موثوق. إذ كيف يمكن الوثوق بمنصة يُمنح فيها القرار النهائي لإداريين لا تُعرف خلفياتهم العلمية، ومع ذلك يتدخلون في تعديل أو رفض محتوى أكاديمي بحت، دون مرجعية مؤسساتية واضحة؟

على Reddit، اشتكى بعض المستخدمين من تحريف مقالات عن حملة Gamergate، وعيب عنوانها ومحتواها، وكأن مصممي الموسوعة يفرضون سردية ضيقة دون حق الرد أو تعديل https://www.reddit.com/r/wikipedia/comments/17cu1jh/gamergate_article

ما يُثير القلق هو أن هذه الظاهرة ليست مجرد أخطاء فردية، بل مظهر لبنية سلطوية متجذرة في صميم الموسوعة. حتى وإن ادعت الحياد، فاختيارات الكلمات، وصياغة الجمل، وتسلسل الفقرات، كلها أدوات يمكن تطويعها لصالح رواية دون أخرى. هكذا تتحول ويكيبيديا، من فضاء حر، إلى مختبر للصياغة الانتقائية، وأحيانًا للإقصاء المؤسسي.

تُروى قصص كثيرة عن مساهمين محبطين، انسحبوا من ويكيبيديا رغم حبهم للمعرفة. كتب أحدهم: “لم أعد أرى نفسي في هذه المنصة. ما الفائدة من الإصرار على الدقة، إذا كان سيتم تجاهلك لأنك مجرد ‘مستخدم عادي’؟”.

اللافت أن هذا التسلط لا يُمارس فقط على الموضوعات السياسية أو الحساسة، بل يمتد إلى ملفات ثقافية وفكرية وحتى بيئية. في كل مرة يحاول أحدهم تحدي الإجماع المزعوم، يُتهم بـ”دفع وجهة نظر”، وتُسحب منه أدوات التحرير، وكأنه ارتكب جريمة فكرية.

الأسوأ من كل هذا، أن هناك مَن يرى في هذا النهج “ضرورة تنظيمية”. فالخوف من الفوضى يدفع المؤسسة إلى خلق تسلسلات سلطة داخلية، تحكمها قواعد مطاطية. لكن أين تنتهي الحدود بين التنظيم وبين القمع؟ بين الحياد وبين الإقصاء؟ هذه الأسئلة تبقى بلا إجابة.

في نهاية المطاف، تحولت ويكيبيديا إلى مكان لا تناقش فيها الفكرة بالفكرة بل أصبحت الحديقة الخلفية لإداريين يعانون من الأمراض النفسية وجنون العظمة، فحين تُقمع الحقيقة باسم السياسة التحريرية، وحين يُقصى الأفراد باسم الجماعة الإدارية، فإننا لا نكون أمام موسوعة مفتوحة، بل أمام سردية واحدة، تُكتب بحبر القوة وتُراجع بمقص النخبة.