في إطار ندوة علمية جمعت نخبة من الخبراء من المغرب وفرنسا حول موضوع “المهارات المطلوبة لخبير الغد في ظل تطور الذكاء الاصطناعي”، شدد الدكتور عمر القلعي، المهندس وأستاذ القانون وخبير التشريع، على أن الذكاء الاصطناعي لا يُشكل تهديداً لمهنة الخبرة القضائية، بل يمثل فرصة لتطويرها وتعزيز أدائها. واعتبر أن الخبير القضائي الذي لا يواكب هذا التحول الرقمي سيكون مهدداً بالتجاوز من قبل من يتقن أدوات الذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أن الهدف الأسمى يظل خدمة العدالة وصون حقوق المتقاضين.
استعرض القلعي التحديات المتزايدة التي تواجه مهنة الخبرة القضائية في العصر الرقمي، من تضخم حجم الوثائق وتعقيد القضايا التقنية والمالية، إلى ضرورة تسريع الإجراءات القضائية دون المساس بجودتها، وانتشار النزاعات ذات البعد العابر للحدود بفعل العولمة.

وفي هذا السياق، أبرز المحاور الثلاثة التي يجب على الخبير القضائي الإلمام بها في ظل استخدام الذكاء الاصطناعي: أولاً، كيفية دمج هذه التقنيات في الممارسة اليومية؛ ثانياً، المهارات الرقمية الجديدة المطلوبة؛ وثالثاً، فهم حدود ما يمكن لهذه الأدوات أن تقدمه فعلياً دون المساس باستقلالية القرار المهني.
كما تم التطرق إلى تطبيقات متقدمة للذكاء الاصطناعي في مجال الخبرة، من بينها أدوات معالجة اللغة الطبيعية لتحليل الوثائق القانونية، وأنظمة توليد التقارير الأولية، والتحليل التنبؤي لاكتشاف الأنماط والمخاطر. وتم تقديم نموذج عملي لأداة تحليل عقود مغربية تراعي الاجتهادات القضائية وتعمل محلياً لحماية المعطيات.
أوضح القلعي أن استخدام هذه الأدوات يتيح تقليص زمن إنجاز المهام بنسبة قد تصل إلى 60%، مقارنة بالأنماط التقليدية المعتمدة على الجهد اليدوي الخالص، إلا أنه حذر في الوقت نفسه من بعض مخاطر الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، مثل التحيز الناتج عن بيانات تدريب غير مناسبة، أو إنتاج نتائج خاطئة تفتقر للسياق، مما قد يعرض الخبير للمساءلة.
وأكد الخبير على أهمية تطوير “ثقافة رقمية قانونية” تشمل فهماً عميقاً لآليات الذكاء الاصطناعي، والقدرة على صياغة استفسارات دقيقة، والتعاون مع فرق متعددة التخصصات تضم مهندسين وخبراء بيانات. واعتبر أن الشفافية وتوثيق منهجيات العمل وتحديد صلاحيات الأدوات من الشروط الضرورية لصون مصداقية الخبرة القضائية.
وفي ختام مداخلته، شدد القلعي، الذي يتمتع أيضاً بخبرة واسعة في العقود والأسواق العمومية وريادة الأعمال القانونية، على أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل الحكم البشري ولا يغني عن التقدير المهني للسياقات ولا عن الالتزام بأخلاقيات المهنة، مبرزاً أن الإنسان سيبقى مركزياً في تحقيق التوازن والعدالة بين الأطراف.